من أنا

صورتي
السعودية, الرياض, Saudi Arabia
أنا ألف مخلوق غريب في جسدْ.. أنا كل هذا الكون حينا..ثم حينا.. لا أحــــــدْ.

الثلاثاء، 31 مايو 2011

نخرج شاهرين أطفالنا



لماذا كل هذا الترويج لأهل الفن؟
لوحات إعلانية تقاس بالأمتار العديدة تحمل صورهم البسّامة، مزروعة في كل المفارق والطرقات صور "مبثوثة" في هواء التلفزيون، منقوشة على الجدران، معلقة تحت الجسور.
فلان، بكامل قيافته يعلن عن حفلة في مكان ما، فلانة بكامل غوايتها تعلن عن ولادة عبقريتها العجيبة!
أليس من حرمة للطرقات؟ لماذا لا يؤخذ رأي المواطن الذي يعيش نهاره على تلك الدروب، إذا كان يتلذّذ بهذه المشاهد أم يفضل الرؤية أمامه منقشعة؟
وأن من يرى هذا الطوفان من صور المغنين والمغنيات يحسب أن كل المشاكل العويصة قد حلّت والكهرباء صارت تزور منازلنا في الحر القاتل، والمياه كذلك، والفقر غادر نهائياً والكل ينعم بالرخاء، والحريات مزدهرة تماماً، فلا أحد يعتقل على الشبهة، ولا قبضات صلبة تكمّ الأفواه ولا هراوات تصدّع الصدور، ولا عصيّ تنكس اللافتات والجباه رغماً عن الريح!
كل شيء بألف خير، الجمهورية يسوسها العدل، وبيت مال اللبنانيين لكل اللبنانيين بلا استثناء، فلا تسوّل ولا متسولون، ولا ضحايا ولا نشّالون، اللبناني ينام وبيته مفتوح لا لأنه آمن، بل لأن بيته لا شيء، فيه يغري اللصوص.
حالة فصام حقيقية بين الشارع والبيت، بين الإعلانات والناس. السيّاح باتوا يظنّون أن جميع اللبنانيين مطربون وراقصون وعمال ترفيه، نتيجة ما يرونه في الإعلام الصادر عن هذه الجمهورية والمبثوث في فضاءات العرب والعالم في حالة تشبه الكباريه الواسعة.
جمهورية تتقدم بكامل جغرافيتها إلى خطوط التماس مع الموت، وتذهب بكل أبنائها إلى مجاعة ستأكل الأخضر واليابس.
جمهورية تنوء وتموء تحت وطأة الديون، والعسكرة تكاد تلتصق بمقاعد القرار، جمهورية تتسوّل على أبواب السفارات، وقشورها بهرج وغناء وسهرات صاخبة.
جمهورية معتقلة مصادرة والحرية فيها مقصوصة الجناحين، وكلنا شهود نستغرق في الفرجة، والعالم يتفرج على قهرنا وضياعنا ويمعن فينا قهراً وتضييعاً.

أمس رأيت المتسولين يخرجون إلى الطرقات فيهشمون لوحات الإعلان ويرفعون لوحات جديدة كتبوا عليها بالخط العريض: أنقذونا من الجوع والقهر، أو نخرج على العالم شاهرين أطفالنا العراة.

متى رأيت هذا؟ متى سأراه؟     

12- 9-2001         

لماذا لا تحبنا أمريكا؟! ....



نحن أميركيون أكثر من كل الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأميركية!..
نتحدث الإنكليزية بطلاقة،.. نركب السيارات الأميركية بمهارة فائقة،.. نحمل هواتف أميركية الصنع،.. نأكل الهمبرغر والبيتزا، بكميات مذهلة،.. نرتدي الجينز والأحذية والتي شيرت الأميركية،.. نقرأ الأدب الأميركي،.. ونمارس سراً وعلانية قلة الأدب الأميركي كذلك،.. لا فرق بيننا وبين سكان واشنطن ونيويورك،.. نتعامل بالدولار الأميركي مثلهم تماماً،.. ونقدسه أكثر من عملتنا الوطنية،.. ونتباهى بأننا نشبه في كل شيء نسل العم سام،.. ولا نشبه بشيء إطلاقاً الهنود الحمر.
ندخّن المالبورو بنهم يفوق نصف سكان العالم،.. ونقبل على ما تنتجه هوليود بشغف منقطع النظير،.. حتى إننا نتفوّق أمركة على الأميركيين أنفسهم.. 
نستورد من عندهم كل شيء،.. الطعام والملبس والأفكار وأنماط الحياة،.. وصور تمثال الحرية،.. وقوانين الديمقراطية وشرعة حقوق الإنسان ونمارس كل ما يمارسونه وأكثر،.. إذا لا فرق بيننا في شيء،.. حتى أننا نتجاوزهم باستيراد بضائع ومنتجات وأشياء هم لا يستعملونها شخصياً،.. ونصدر لهم الأدمغة والقمح والبترول وفروض الطاعة،.. وفئران التجارب!..
ألسنا أكثر منهم أمركة حين نحيا على كل سلعة أميركية،.. وكذلك نموت بقذائف أميركية الصنع!.. 
نحن متفانون جداً في محبتنا لأميركا،.. من يستطيع منا أن يجتاز الطريق، حين يعبر موكب السفير الأميركي في شوارع بيروت؟!..
من يستطيع الاقتراب من سور السفارة، حتى لمجرد رغبته باستنشاق هواء أميركي خاص ينبعث من فضائها خال من رائحة المازوت والمخبرين!..
من يتجرأ على إحراق دولار واحد،.. في وقفة تحدٍ وانتصارٍ لليرة اللبنانية؟!.. 

خرج آلاف المواطنين قبل شهور تحت شعار (بدنا ناكل جوعانين)،.. وكان يمكن لهم اقتحام مطاعم الفلافل وأفران المناقيش،.. لكن لا أعتقد واحداً منهم تجرأ على اقتحام مطعم ماغدونالد، ليس لأنه محاط 24 /24 ساعة بالحرس الوطني،.. بل احتراماً للبقر الأميركي الحر،.. والخلطة الأميركية السرية للكوكاكولا!..
جيش الدفاع الإسرائيلي يشارك الحلم الأميركي تأديب لبنان وغزة والعراق واولمرت يهمس للجنرالات أن العراق خبأ بعض أسلحته في دمشق والجنوب اللبناني!..
وطائرات الأواكس والتجسس والأقمار الأميركية التي تعرف أن المواطن اللبناني يقف على حافة الانهيار اقتصادياً، تعرف أيضاً أن إسرائيل تمتلك رؤوساً نووية وعقولاً إجرامية وأسلحة كيماوية فتاكة،.. ورغم ذلك تخاصر أميركا إسرائيل في الرقص على أشلائنا..
والله العظيم نحن نحب أميركا..
لكن السؤال الذي يحيّرنا فعلاً، لماذا أمريكا لا تحبنا ؟!
بيروت 2007

الاثنين، 30 مايو 2011

من يشتري هويتي؟



أنا مجرد أطرش في زفة حضرت سريعاً على تنور فخاري في مطعم ماغدونالد حديث.
مجرد أطرش، وكلهم يحاول تزويج الهاردروك بـ يا ليل الصب متى غده. واستنساخ غيتار كهربائي مودرن جداً من دف عتيق موشوم على عباءة المولوية.

الكرة الأرضية طرشاء أيضاً، أو أنها تتطارش كي لا تسمع قهقات سكان المجرات المجاورة وهم يراقبون الدبابة تتسابق مع الجمل وقاذفات الصواريخ تفتش الجبال باحثة عن قوارض زاحفة قضمت ناطحات السحاب في نيويورك!

إنها الحرب بين أول العالم وآخره. بين الرأس والذيل على ذمة العولمة، بين اللسان والكمبيوتر. أظن الأبقار المجنونة في أوروبا ستمد لسانها إلى وقت طويل، لجميع الرعاة الذين لا يفرقون جيداً بين الماعز الجبلي والجاموس. بين فتاوى الحناجر والطائرة الشبح.

مجرد أطرش أنا في زفة الإعلام العالمي والعربي.
منذ قرابة الخمسين سنة أجّرت رأسي شققاً مفروشة للسياح الأجانب، ومنعت من دخوله الأشقاء، حين تدخل رأسي البلدان الشقيقة تصيبه بالصداع. يحتقن أنفي. تتضخم الجيوب. لهذا أنا أحتاج دائماً إلى أنتي بيوتيك مستورد من مجلس الشيوخ ومجلس الأمن. في بلادنا لا توجد سوى مجالس العزاء. لهذا أنا أبكي دائماً في الزفة ,أطرش أنا ولن يلومني أحد.    


لن أتلقى رسائل بعد اليوم، سأمسح عنواني البريدي إلى الأبد. أنا أسكن في لا مكان. ربما على أرض ثانية، غير هذه الكرة العمياء والطرشاء معاً. لن تضحك مني عاشقة برسالة تضمنها مسحوق الجمرة الخبيثة. ولن أستعمل المساحيق وسأتجنب المرور أمام مراكز البريد. وإذا لمحت ساعياً على الرصيف سأعود أدراجي إلى أقرب مختبر لتحليل الأعصاب. أنا الأطرش الطويل اللسان عرفت أن ثلاثة من حملة الهوية التي أحملها تورطوا في التحرش بتمثال الحرية، أنا أحب الحرية كثيراً لهذا سأعرض هويتي للبيع. من يشتري هوية حقيقية غير مزورة ولا مأخوذة بالتجنيس بطبلة أذن؟

 أحب أن أسمع مرة قبل أن أموت بكاء قذيفة إسرائيلية مسكينة وطيبة، استقرت في صدر طفل مشاكس يعتقد أن القدس للعرب، كيف استطاعت "طالبان" الإساءة إلى المعلمة أميركا؟ أظن السبب الرئيسي هو ارتفاع أقساط المدارس وحالة الإحباط التي تصيب العائلات التي تنجب طلاب معرفة. لكن هل كانت أميركا تحتاج بسبب "طالبان" إلى حشد كل معلمي الصواريخ في العالم؟
       
22-10-2001

علي بابا والزلازل



ليس عبثاً تعاقب الفصول،.. وتشابه الأجيال،.. كأننا نحن البشر صورة عن الطبيعة ذاتها،.. صورة عن الشجرة كمثال،.. حبةً نبدأ رحلة العمر،.. ثم نشق التربة الرحم، لنصير طفولة البرعم،.. ثم نزهر ونعطي أثمارنا،.. وبعدها ننحني ونشيخ،.. وقد نكون جديرين بالخلود كشجرة حوّلوا جذوعها اليابسة إلى أطر ومقاعد وأدوات تنفع الناس،.. وقد لا نكون جديرين به،.. فنشع للحظات في موقدة الشتاء،.. وبعدها ندخل غيبوبة الرماد.

كثيراً ما أتأمل المرآة، فأجد في صفائها ملامح شجرة،.. ألمس في صفائها انحناءً في بعض الأحيان،.. وأكتشف في أحيان أخرى أنها تحاول أن تتبرعم،.. وأن تنبعث من جديد في تربة جديدة لتشقّ الصمت باخضرار أكيد،.. قد لا أكون من نصيب الموقدة،..
 الشجرة التي تتبرعمُ كتابةً، وتحوّل أوراقها إلى حروفٍ، تستحق الامتداد إلى زمنٍ آخرٍ،.. لهذا وظّفت شجرة روحي في أبجدية التواصل.

الأمومة كذلك شجرة لا تموت،.. لأنها تطرح أعماراً أخرى في أبنائها،.. هكذا وجدت أمي.. الأمومة أكثر امتدادا في الأرض من الشجرة .ز أكثر ارتفاعا في السماء من العصفور.
* * *
كثيراً ما كانت جدتي تجمعنا حول موقدة الشتاء،.. وتبدأ بصوتها الأثيري تنسج لنا حكاياها لستُ أنسى أبداً حكاية ليلى والذئب،.. حكاية المصباح وعلاء الدين،.. حكاية المغارة وعلي بابا،.. حكاية البساط الذي يطير،.. لكن هل تصلح هذه الحكايات لحفيدي حين يتزوج أحد أبنائي ذات يوم،.. أسلافنا كانوا يحلمون بما حققناه نحن، كانوا يريدون الطيران فاخترعوا البساط الطائر، والحصان المجنّح،.. كانوا يحملون بالمغارة التي تنفتح على الكنوز بكلمة واحدة،.. ونحن اخترعنا الريموت كونترول الذي يفتح كل شيء بكبسة زر،.. كانوا دائماً يؤكدون على انتصار الخير،.. فليلى انتصرت على الذئب،.. والزير سالم قتل أعداءه،.. نحن لم ننتصر بعد حتى على خوفنا،.. فما الذي سأحضّر لحفيدي من حكايات؟!
حتى القمر صعدنا إليه،.. ووصلنا المجرات البعيدة،.. صرنا نرى العالم كله ونحن جالسون في بيوتنا،.. فما الذي يمكن اختراعه لإغناء مخيّلة الصغيرات والصغار.
سأحدثه عن عالم بلا حروب،.. وبلا مغارات، وبلا صيادين،.. سأقص عليه قصة الطفلة التي صحت يوماً على عصفور ينقر نافذتها، وكيف خرجت معه إلى الحياة،.. تبحث عن محتاج لتساعده فلم تجد أحداً،. تبحث عن كفٍّ وخزتها شوكة،.. فلم تجدْ شوكة واحدة،.. وكيف حين عبرت الغابة، رافقتها الأشجار إلى بيت جدتها،.. ولم ترَ ذئباً واحداً،.. ولا حتى غراباً يشق الصمت بنعيب.
لكن هل سيصدق الصغير ما سأقول وحين يكبر قليلاً سيكشف أني كنت ألفّق له عالماً يشبه الأكاذيب.
سأغيّر الحكاية إذاً،.. سأخبره عن طفلةٍ ظلّت تجلس أمام النافذة لشهور دون أن تلمح عصفوراً واحداً،.. وحين عبرت الطريق فاجأتها السيارات بالضجيج، وحين وصلت أطراف الغابة هاجمتها الذئاب،.. ولم تصلْ لغاية اللحظة إلى بيت جدتها.
سأخيفه لو تحدثت هكذا،.. إذاً عليّ أن أؤلف قصة أخرى،.. سأخبره عن طفلةٍ كانت تلعب في حديقة القصر،.. وكانت الأزهار تخاصرها في رقصها اليومي،.. وألف عصفور قال لها: صباح الخير.
وكبرت بسرعة،.. وخرجت مع أبنائها في رحلة إلى القمر،.. وهناك اكتشفت أن الأرض تشبه قالب الحلوى، فأطفأت مع أطفالها شموع الميلاد،.. لن يصدق حفيدي كلمة مما سأقول،..

إذاً،.. لا حلّ أمامي،.. إلاّ أن أكون كجدتي تماماً،.. سأرى في وجه حفيدي وجهي المدهوش وأنا أستمع إلى حكاياتها،.. لا بأس أن أعيد على مسامعه حكاية ليلى والذئب،.. وحكاية البساط الطائر وعلي بابا والزير.

الواضح أن الأطفال دائماً متشابهون،.. والجدات يتشابهن كذلك،.. وزيادة في مصداقيتي طرقت باب جارتي العجوز لأسألها عن الحكايات التي تخبرها لأحفادها،.. فضحكت وقالت: لا أعرف إلاّ حكاية ليلى والذئب،.. لكنني أحياناً أقول لهم أن الذئب لا يزال على قيد الحياة،.. وأن ليلى كبرت وتزوجت وأوصت أولادها أن يتحوّلوا إلى صيادين.   
وأن البساط الطائر،.. فقد قدرته السحرية لكثرة استخدامه فاستبدلوه ببساط حديدي له جناحان ومحركات،.. وأسموه الطائرة،.. أنا لا أخبر أحفادي إلاّ ما سمعته من جدتي،.. لكني دائماً أحاول أن أستفيد من واقع الحال،.. فبالأمس حدثتهم عن الزير سالم وبطولاته فضحكوا وقالوا: لقد شاهدنا مسلسلاً عنه في التلفزيون ولم يكن كما تقولين عنه،.. يا صديقي،. هذا الجيل ليس كجيلنا،.. هو جيل قادر حقاً على صناعة حكاياه الخاصة،.. لماذا لا نجلس أنا وأنتَ أمام أحفادنا ونتعلم من تجاربهم الأقاصيص والعبر.

وهكذا سأفعل،.. البارحة فقط أخبرني حفيد جارتي إياها أن علي بابا رفع صوته قليلاً حين وقف أمام باب المغارة،.. فتسبب بزلزال كبير ضرب تركيا،.. وأن علاء الدين وقع من على البساط فلم تستقبله مستشفيات المدينة لأنه لا يحمل النقود،.. وأن ليلى لم ترَ جدتها أبداً،.. ولم ترَ الذئب،.. لأنها لم تجدْ غابة واحدة تدخلها في يومنا هذا بعد أن ازداد عدد الكسارات.
سامح الله جدتي،.. عوّدتنا على البقاء أمام باب المغارة،.. ولم تعطنا مطلقا كلمة السر.
  

الخنساء تموت من جديد




على حاجز طيّار، أوقفوها بتهمة تهريب القصائد إلى الإرهابيين!..
أسندوها إلى الجدار،.. فتشوا حقائبها، لم يجدوا سوى مصحف وأوراق بيضاء وقلم رصاص!..
فتشوا ثوبها، لم يجدوا سوى رائحة عرقها لأنها كانت تحاول قطع الحدود سيراً على الأقدام!.
فتشوا كعب حذائها،.. كان عالقاً عليه جزءاً من طين الأرض!..
صفعها الرجل المقطب الحاجبين:
-
اعترفي يا امرأة..
بأي شيء أعترف، أجابته..
-
اعترفي إنك إرهابية، وأن لكِ ولدين يقاتلان هناك ضد الديمقراطية والحرية والعولمة..
ضحكت..
-
لي عشرة أولاد هناك... لي عشرون،.. خمسون..
ضحكت أكثر: كلهم أولادي،.. مع أنني لم ألد واحداً منهم ذات يوم،.. أولادي منذ زمانٍ بعيد استشهدوا، قبل مولدك أنتَ وديمقراطيتك الحمقاء..
-
صفعها ثانية..
-
أين خبأت قصائدك، أين؟!
ضحكت من جديد وهي تصرخ في وجهه وفمها مليء بالدم:
-
القصائد لا تخبأ أبداً،.. هي عصفور خارج أقفاصكم القذرة. 
-
تجمعوا حولها،.. مارسوا وحشيتهم،.. نزعوا غطاء رأسها،.. شقوا جلبابها الأسود،.. خمشوا وجهها العجوز المضيء،.. انتزعوا أظافرها..
صرخت بأعلى صوتها:
-
يا صخر.. يا طلاع ألويةٍ،..
يا صخر..
ضحك قائد المجموعة،.. هاتوا لها حجرة.. فجأة همست وهي تنظر إليه..
-
ألا تعرف صخراً..
كيف ستعرفه وأنت وأمثالك من كرتون فارغ.. كيف ستعرف الفارس وأنت مجرد مخصي تابع لمخصي..
لكمها بقوة،.. لم تترنحْ،.. كان رأسها مرفوعاً،.. وبقي مرفوعاً حتى وهي تهوي بعد أن أفرغ في رأسها العالي طلقات مسدسه المستعار،.. شهداء كثيرون خرجوا من الرمل..
اقتربوا بهدوء،.. الحاجز الطيار،.. طار هارباً،.. الضابط تعثر في ظلّه،.. العسكر انكسرت هاماتهم على الأرض..
الشهداء اقتربوا،.. تجمعوا، حملوها على عرش أكفهم..
الخنساء المسكينة، كيف خرجت من قصيدتها إلى عصرنا،.. من أخبرها أن هذا الزمان يعرف الشعراء،.. من قال لها أن القصائد لا تزال تحرض على الثورة،..
ساروا بها،.. أولادها الأربع حملوها، وشاركهم الجميع،.. توجهوا صوب الوطن..
الوطن محفور،.. ومفتوح لاستقبال جثمانها.. كانوا يعرفون جيداً، إن الأوطان بلا قصائد،.. مجرد مقبرة!..

أحلام برسم البيع




حلم أول

الخروج إلى العالم، مغادرة القرية النائية إلى العاصمة ، الدخول إلى الجامعة، التفوق والتخصص، الحصول على وظيفة مرموقة، التحول إلى رجل ثري، والزواج بصبية شقراء تنتمي لعائلة معروفة جدا وثرية، ركوب سيارة فاخرة، شراء كل ما يطمح إليه من ملابس أنيقة وكتب وجهاز خلوي حديث، ولاب توب من ماركة عالمية، الجلوس وراء مكتب فخم وفي الغرفة المجاورة سكرتيرة حسناء تتأمله بشغف كلما قدمت له فنجان النسكافيه.

تلك هي أحلامه الكبيرة..

بعد سنوات خرج من القرية إلى العاصمة، هو اليوم يعمل بائع يانصيب، وفاة والده منعته من إكمال تعليمه الثانوي، الجامعة ذهبت، الوظيفة تبخرت ،.لن يكون ثريا أبدا، هو يركب "الفان" في التنقل والعودة إلى غرفته التي تقع تحت درج بناية فاخرة، ثمة جارة شقراء في الحي ، هي من عائلة ثرية، وهي جميلة جداً، لكنه بعد أيام سيعود إلى قريته ليتزوج من بنت خالته زينب، زينب مثله أيضاً، لم تكمل تعليمها، ووالدها فلاح فقير، وأحلامها على قدها، ربما إذا تحسنت الأحوال سيعملان معا في إحدى الأبنية كناطورين.

السكرتيرة في هذه الحالة غير ضرورية، والملابس الفاخرة لا تهم.
هو يفكر بكتابة أحلامه على ورقة بيضاء وعرضها في السوق، لعل شابا آخر من قرية بعيدة أخرى يصادفه فيشتريها منه لكي يحقق ما عجز هو عن تحقيقه لغاية اليوم.


حلم ثان 

لم يكن قد رأى الأخضر يوماً إلا في الصور والحديقة القريبة من شقتهم الفاخرة.
لم يكن قد تعلم لغة الأطفال حين يرسمون بأناملهم على ورق السماء فراشات وعصافير تثب دائما إلى الأعالي.

كان يحلم بالحقول الشاسعة، بأشجار التين والكرز والزيتون، كان يحلم ببنت قروية تفوح منها رائحة النعناع الأخضر، يحبها بلا هوادة وتحبه بجنون.

كان يحلم بأن يكون شاعراً، يلاحق بحروفه قطرات المطر، وينسج من قماشة الريح لوحات لعالم بلا إسمنت يعلب كل شيء.

لم يحقق أحلامه، تخرج من الجامعة وورث مصانع أبيه، تزوج ابنة شريك والده الراحل، أنجب ولدا وبنتا، وما تزال أحلامه بالقروية البريئة والحقول قائمة.

أحلام لم تتحقق، هما طفلان من هنا، ولدا هنا، عاشا هنا، وحلما، لكن لو باع كل منهما أحلامه للآخر لكان حقق الكثير.

السبت، 28 مايو 2011

جمهورية الحبر



ما أصغرها، لكنها أكثر اتساعاً من البيوت، وما أقلّها لكنها أكثر احتشاداً من مظاهرات الصخب المجاني.
حين تلّم بنا الكوارث نهربُ إليها، وحين تعصف بنا رياح الخراب، نتقدم إليها وحدها بطلب اللجوء.
أيتها الكلمة،.. أنا الهارب من كل هذا الهذيان،.. أدّق أبوابكِ العاليات، فاقبليني مواطناً في جمهورية الحبر.
* * *
هل كان عليّ أن أنتظر كل هذا الزمان، لأدخل البوابة ولا أجدكِ هناك،.. أو أنني لمحتُ جسداً ناحلاً، يتأمّلني بخجلٍ وشحوب،.. هل اقتحمتْ قصرَك الذي كان حصيناً رياح التبدّلات،.. فلبستِ ككل الكائنات وجهاً لا تقبلين به،.. وخلعتِ تاجَك المرصّع بجوهرة الرفض، وقدّمت طلب استخدام رفضوه في بلاط النياشين.
هل أدرجوا إسمك المشتهى في لوائح العاطلين عن الفعل، فخرجت إلى الطرقات الموحشة تتوسّلين كسرةَ أمل.
أيتها الكلمة، هل أنا أعلن الخراب العظيم..
فالأمم التي لاتحترم الكلمة،.. مستنقعات موحلةٌ بالصدأ،.. والأرض التي لا تنبت فيها الكلمة شجراً يسندُ سماءها،.. تسقطُ على قيعانها السماوات!..
ما أكثر الطارئون على ممالك الورق المشّع،.. وما أكثر المدّعون، حوّلتكِ سلالاتُ الخرس إلى مشاعٍ يتناهبُ غلالَه الجميع،.. كلهم يدّعي الانتساب إليك،.. والانتماء إلى أبجدية اليقين،. كلهم يتطاول على جمرتك اللاهبة،.. حتى انطفأتِ أمام حشود المصفقين، ولزوجة الزاحفين في ظلال الأحذية.
أيتها الكلمة،.. ها أنذا أقف مكسورا أمام الشاهدة التي بلا كلام.. أصمتُ أمام غيابك الفادح،.. أعرف إنك انسحبتِ إلى السكوتِ، منذ أطلق القنّاصون حبر بنادقهم المريب على طائر الحرية البهي.
أيتها الكلمة،.. ما أكثر الصمت رغم كل هذا الضجيج،.. كأننا نعيش بابل العصر،.. كل شيء معلّق ومؤجلٌ حتى تقومين في اليوم الثالث.
حتى تستردّين الرايات التي كانت عصّيةً على التلوّن،.. ضيّعنا في زحمةِ الألويةِ الملّونة والمتناقضة قميص الوطن الواحد،..
 أيتها الكلمة،. ما أسعدَ الأعمى، وما أكثر بهجةَ من لا يسمعون ولا ينطقون.
 ها آنذا أعلن إقامتي الجبرية في قلم يبسانٍ،.. حتى إنفجار الصراخ.
   
بيروت 2007

الخميس، 26 مايو 2011

أعلن إضرابي عن الفهم فمن يرافقني إلى المقبرة؟!



لا تعتمدوا علي،.. وأعترف أنني أكثر من جبان وأقل جرأة من عصفور أمام بندقية صياد شغوف بالدم.
ككل هذ الجيل، قصّوا لساني، ووظفوا حنجرتي وكفّي في ولائم التهريج.
مواطن أنا من الدرجة العشرين، أغلقوا على أنفاسي منذ ألف عام بوابة القهر والمجاعة وعودوني الذل والركوع أمام قداسة الجوع وجلالة اليأس!
الانكسارات غيرت زمرة دمي، أنا رجل زمرة دمه الهزيمة وهويته الحالية العار. لن أخرج إلى التظاهرات لأنني أدرك أنها مسقوفة بالخطوط الحمراء ومحروسة بالعسس الوطني.
وأنا ككل هؤلاء الناس انتمي إلى نسل الخراف، نمشي متكئين على الجدار كي لا تسقط ظلالنا في الشبهات.
منذ خمسين عاماً حشروا في رأسي أن فلسطين عربية وأن الاحتلال زائل والنصر بعون الله قريب..
اليوم اكتشفت أنها ليست كذلك. لو أنها كانت لما كنا جميعنا وقفنا متفرجين على اغتيالها بوحشية ليس لها نظير.
جاهلٌ أنا بما يدور من حولي، استغيث بكل العالم كي يقودني إلى السر، كي يضعني على أول الدرب نحو المعرفة، ما الذي يجعلنا هكذا جميعاً عاطلين عن العقل والفهم والنهوض؟
أي حجر يسد حناجرنا فلا نقوى على قول ما يجب أن يقال، أي ذل نعيشه أكثر من هذه المذلة كي تصحو كرامتنا ونقوم من رقادنا الملتبس؟
هل ننتظر مزيداً من الشهداء كي نقرأ الفواتح ونقرع النواقيس؟
ما لنا كلما زجوا بنا في كارثة نصمت في انتظار المزيد من الكوارث، وكلما وجهوا لنا صفعة أدرنا لهم الوجه الآخر؟ صلبوا السيد المسيح مرتين: مرة على صليبه المقدس وأخرى وهم يدنسون كنيسة المهد ويلاحقون بالقذائف طفل المغارة ولا يجيره أحد !
لست عدوا لأميركا، لكني أجهل لماذا هي تعتبرني عدوا لها، لماذا لا تفهمني، ولماذا تغلق قلبها وعقلها دوني وتفتحهما للآخرين.
لا أهدد بضرب مصالحها، وأنا ككل أبناء وطني بكيت على ضحاياها يوم 11 أيلول، لعنت الإرهاب والإرهابيين، فلماذا تتهمني بأنني منهم وأنا منذ ولادتي أحلف برأس تمثال الحرية وأعتبر ديمقراطية العم سام أكثر ديمقراطيات العالم رحابة صدر؟ 

جبان أنا، رغم أنني ولدت لا أخاف شيئاً، لكنهم روضوني منذ تعلمت الكلام والمشي أعطوني رقماً في لوائح القطيع، لهذا لن أخرج في تظاهرات لا تقود إلى مكان، ولهذا سأغلق بصدري الحدود، وأسكب محابري على الشريط الأزرق كي يزداد زرقة واتساعاً حتى يصل إلى غرفة النوم. وسأعلن براءتي من كل الشهداء لأنهم صدّقوا "أن فينا قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ".
يا الله، كم غرّرنا بهم فتحصنوا بالوهم، ليست القذائف هي التي اغتالت فلسطين. صمتنا أغتالها. حناجرنا الأطول من قاماتنا ساهمت في دفعها إلى الموت.
ها أنذا أعلن إضرابي عن الفهم، فمن يرافقني إلى المقبرة؟
     
الجمعة 12 -4- 2002

صباحات



بالندى..
أرمّم جروح الوردة..
بالقبلات..
أرتق شقوق الروح
بالنار..
أطهّرُ العالم من صقيع الكراهية..
هل كانت الشمعة فقط لتضيء..
هل كانت الفراشةُ وجهاً للضحية..
كل بكاءٍ طريقٌ لفرحٍ يجيء..
كل دمعةٌ رحمٌ يحمل بالابتسامة
حتى تحين ولادةُ القصيدة
* * *
ليس الحلمُ انعكاسَ اللا مرئي..
ليس وشايةَ المساء في أذن الفجر..
الحلم صباح يتجمّل..
تعاسةٌ تحاول الفرح..
طريق مختصرةٌ إلى الصحو..
حين ننهض من موتنا صباحاً..
يهرب الحلم من شبّاك العين..
يصيرُ القلب شرفةُ للتخيل..
تسقطُ النجوم..
دمعةً دمعةً
في باقة الوهم
* * *
هل للماءِ جسدٌ..
هل للترابِ روحٌ؟!..
إذاً كيف تخرج البراعمُ
شجراً، وأكفاً، وثغور..
كيف تتشكلُ الوردة..
وينهضُ العصفور باكراً باكراً
إلى السنبلة.
* * *
الساقيةُ شريانُ الحقل..
النهرُ وريدُ المساحة..
البحرُ متسّع للنبض..
كيف يصيرُ البحرُ صاخباً
وفي صدره كلّ تلك السواقي تضيعُ..
وفي أعماقهِ..
تنتحبُ الأنهر بانتظارِ غيمةٍ
تحملها إلى سفحِ الأمنية
* * *
الأجساد التي من حلمٍ ودم..
لا تعرف الطيران..
كلُّ ما يحلّق هو من طينة الروح..
هل نصبحُ طيوراً عندما نموت..
وتنبتُ على أذرعنا التي تلّوح للغياب
أجنحةُ لا تعرف الخطيئة.
* * *
28/02/2007.

الصراخ من ذهب .. الصمت ليس كذلك.



بين الانفراج الكبير ، واليأس الكبير ، وهم كبير جدا ..
وأنا بين الهاويتين ، مجرد هاوي انتظار ، ربما هكذا كنت قبل سنوات ، اليوم أنا محترف انتظار من درجة الوجع ، لا استقر على أرض ، ولا تثبتني سماء بغصون مترعات بالخضرة ، أو بزقزقات خلبية لعصافير منتوفة الريش من كثرة الترحال.

أقف على أي درب ، على أي طريق أو مدخل أو باب ، أمام أي ساعة جدار أو معصم أو حتى ساعة الكترونية تختبىء بغموض في هاتفي النقال ..
أترقب خلال ال 24 ساعة عددا لا يحصى من الآمال التي اكتشف أنها مهدورة بكل سخاء ، وأنني مجرد نزوة عابرة لهذا الوحش الذي اسمه وقت .

هل يجيء صباح جديد كل يوم ؟..
لا أظن هذه المقولة صحيحة أبدا ، فكل صباح كالصباح السابق ..
الموجة ذاتها تعبر نهر الحياة ، وأنا مجرد حصى يتقاذفها الانتظار من شط لآخر ، ومن ثانية عابرة لأخرى عابرة كذلك .

الانتظار ..
كرهته في الحب ..
وكرهته في انتظار الرزق ..
وها أنذا اليوم أكرهه أكثر ، حين أكون موعودا  بنورس يدلني على منارة خلاص ، وأنتظر وأنتظر ، فلا هو جاء ولا المنارة تبين ، والموج يحدق بي من كل جانب وأنا مجرد سفينة مهترئة بلا شراع .

ما أشبه انتظاري بانتظار كل اللبنانيين ..
هم مثلي موعودون بفسحة أمل ، مثلي ينتظرون نورسة قادمة ...
والموج صاخب والبحر واسع وكثير الوحشة والغموض ..
والوقت منارة مقلوبة أمام ريح تتقن القهقات ..

كم أكره مقولة أن الصمت من ذهب ...
أظن الصمت من خيبة وقذارة ..
الذي يكون من ذهب حقا ، هو الصراخ ...
ها انذا أعلن عشقي لذهب الصراخ ، فاسمعوني جيدا أيها المنتظرون .

بيروت 2008علن عشقي لذهب الصراخ

دعــــوة للصـــــلاة


إلى كل السوريين والعرب والبشر في كل مكان



لأجل الحياة ِ
لأجل الحياةْ.

لأجل الرغيف وأجل  القتيل ِ
وأجل الضحايا وأجل الطغاةْ.

نصلي لرب ٍّهو ما تبقى
لنسترجعَ الحبَّ والأمنيات ْ.

تعالوا نصلـّي
لأجلكَ أركع ُ
خوفا عليك َ
وأنتَ تضم ُّالصليبَ لأجلي .

تعالوا نصلي ..
فربُك ربي وأرضُك أرضي
وخبزُك خبزي وحقلك حقلي .

وأمُك أمي
وهمُك همي
وجرحُك جرحي وأصلك أصلي .

وكلُّ الذين أرادوك
 مَيـْـتا 
ككلِّ الذين يريدون قتلي .



ألسنا جميعا نعيشُ العذاب ْ؟.
نجوع ونَـَعرى
أمام الذئاب ْ؟.

وتحملُ مثلي هويّة َ أرض ٍ
ونعشقُ فيها حنين َ التراب ْ؟.

إذا فلنصل ِّ
يئسنا وكلُّ الحلول ِ سراب ْ

***  

تعالوا نصلي .
لكي نوقف اليتم والنائحات ْ.

تعالوا نصلي ..
لكي نبعد الموت َوالأضحيات ْ.

يئسنا من الأرض
علَّ السماء ُ
تجود علينا ببعض الحياةْ.

***

إذا فلنصل ِّ
إذا كنت ُ بعضَك َ
صدّقْ ندائي
لأنك َ كــلـّــي .