من أنا

صورتي
السعودية, الرياض, Saudi Arabia
أنا ألف مخلوق غريب في جسدْ.. أنا كل هذا الكون حينا..ثم حينا.. لا أحــــــدْ.

الخميس، 10 فبراير 2011

هل يخرجون


إلى أهلنا في مصر المباركة..

هل يخرجون؟..
هل تـُسدل الستارة ُ السوداء ُفوق المسرح العربي ِّ
تسقط كل أدوار البطولة ...
والوجوه الماكرات ُ..
وكرنفال الأقنعةْ؟...
هل سوف تأتي بعد كل الصبر..
أزمنة ُ الحياة  الممتعهْ؟...
يتدحرجونْ...
من فوق كرسي الخلافة ِ...
من شموخ القصرِ...
من فوق العروش المفزعهْ؟...

*** 

يا سيدي السلطان ُ...
هذا المسرح الشعبي ُّ...
ليس بلاطك الذهبيَّ...
وانتحر المهرج ُ في مرايا القصر
هذا مسرح للناس ..
لا وثن هنا يعلو...
ولا رقص الجواريْ...
انسحبت من الساحات أجساد ُ الجياع
فـُخذ بطانتك الضواريْ.
كل المقاعد خاويات ٌ...
وتوقف التصفيق ُ...
والأوثان أسقطها الغضبْ.
يا سيدي السلطان ُ...
أدخل في زمان النوم....
قد خسر الرهان َ جميع ُ من قالوا
بأن العصر مقبرة العربْ.

هم يطلعون من البيوت الحالمات..
من القرى..
من كل كوخ مثخن بالجوع..
من يأس الكرى..
ويقاومون ...
صدورهم مفتوحة للريح ...
للشمس العنيدة يسلمون جراحهم ...
والفجر جمر في القلوبْ...
يا سيدي السلطان...
كان العصر للحكام .. للسياف...
هذا العصر حتما للشعوبْ.


نبحث عن وعد جديد؟


موعودون بجهنّم!
كأننا حظينا منذ أول الخليقة بأكثر من حلم بالفراديس.
حلم أضيق من مساحة عين مقفلة على كابوس.
موعودون بجهنم!
وكأننا غادرنا حريقها المستعر يوماً، وكأننا لم نكن منذ ألف جيل وجيل وقوداً لأتونها المشتعل فينا وحولنا.
موعودون بجهنّم، وهذه المرة ربابنتها تبحر على بارجات وتركب الريح وتعد بحصاد وفير لأرواحنا اليابسة.
من قال أن بغداد لا تمتد إلى بيروت؟ وأن دجلة لا يمد عروقه إلى الليطاني؟ وأن هارون الرشيد ما كان يرفد جبالنا الخضراء بأسراب السيّاح والحساسين؟ من قال أن الحريق الرهيب إذا ابتدأ بالاشتعال في بابل التاريخ، لن تحصد نيرانه الحاضر كله بوابل من سعير؟
موعودون بجهنّم، وشمس كل نهار جديد تراقبنا كأضحيات معدة لولائم الشي العصري.
مواطنون من كل الأصناف، نصلح لكل شيء سوى للحياة. نمشي على قدمين، لكننا متعبون كأشجار تقف من أول الدهر ولا يدعوها إلى الجلوس أحد تتآمر على كرامتنا غربان بلادنا وغربان البلاد الغريبة، وعلى لقمتنا يتصارع الجميع ويتناهش مستقبلنا الليل!
ما أبسطنا، نفرح لرغيف إضافي، والسماسرة يقضمون البيدر والحقول.
نسعد لهامش يتاح لنا، ونحن المهمشّون على الأرض.
كل القوافل تسير ونحن نندب حظنا في أول المحطات.
لكل الشعوب بحور اللبن والعسل والنبيذ، ولها الحوريات، إلا نحن، البحر من أمامنا ومن ورائنا الحريق!
كل الشعوب تفعل ما تشاء، ونحن مقبلون على زمن من الطين، بندقية الصيد ستعادل لدينا صاروخاً برأس نووي يهدد أمن العالم، وسكين المطبخ توازي دبابة تسحق الآمنين.
موعودون نحن بجهنّم، ستزداد أضرحة الشهداء قبيلة. وتتسع مجالس العزاء مدينة أخرى.
وتلد نساؤنا من جديد!
سيمكث حكّامنا عهداً آخر ويتناسل في أسرّتهم حكام آخرون.
موعودون نحن بجهنّم!
منذ اللحظة سنشرّع نوافذنا للعاصفة، ونعلّق على جدران الحجرة كلها أوراق نعوتنا، ونبحث عن وعد جديد! 

14- 1- 2002     

نسبيات جمالية



بعضهم لا يغادر طفولته أبداً،.. أقول بعضهم، لأنّ أولئك قلةٌ يعيشون بيننا. نعرفهم بمجرد أن نجالسهم ولو قليلاً من الوقت،.. أحياناً بمجرّد أن نلمحهم على الطريق. وربما نجدهم في مرايانا في أوقاتٍ لا تدهمنا فيها حياة الغبار العاجّةِ بأفواج الخارجين على قانون التوحّد في الذات.
هؤلاء الكبار الصغار،. يلوّنون لنا حياتنا بالأناشيد،.. يمنحون المشاهد قيمةً لا تنتسى،.. الأشياء معنى آخر لا يراه الآخرون،.. الصباحاتُ التي يعيشونها لا نعيشها نحن،.. المساءات التي تفرش على وجوههم عباءاتها المذهبة بالنجوم، لا نراها نحن كذلك!..
أولئك لا يرون الشجرة شجرةً،.. يرونها إمرأة عاشقةً تعشق الانتماء إلى مكان واحد،.. لا ينتظرون إلى النهر كنهرٍ،.. هو لديهم شريانٌ يجري خلاله دم الحياة الشفيف وكل الشرايين موصولةٌ بأربطة لا مرئية توصل إلى الشجرة ذاتها كي تقوى على مواجهة ريح الاقتلاع.
لا يرون العشب مجرد بساط موسمي أخضر،.. بل سجادة صلاة على كل من يمشي عليها الإحساس بالخشوع والإجلال،.. لا يرون الفراشة مجرد كائن إنتحاري يتحطم على لهب القنديل،.. بل كائناً يساهم في إضاءة ما حوله بروح هي أصلاً مليئة بالأضواء الملونة.
يا لهم،.. من أجنّةٍ لم تغادرْ بعد رحم الخيال المجنحِ،.. إلى واقع مقصوص الأجنحة والطموحات.
ويا لهم،.. من قرّاء لا تزال ألسنتهم تتهجى حتى آخر العمر أبجديات المكاغاة الحالمة.
العشاق ينتمون إلى تلك الفئة التي لا تغادر طفولتها،.. الأمهات كذلك،.. ثمة أطفال حقيقيون لا ينتمون إليها،.. هي فئة لا يحددها العمر،.. ولا سقف للسنوات التي تطرز وجوههم بالبسمات.
قنوعون هم،.. وطيبون، وغفورون حتى آخر السماح،.. لعلم أسلافُ الصالحين جميعاً والبنين.
لعلهم آخر من تبقى من زمن الدهشة، وقد ظن الجميع أنه زمن فقد صلاحيته منذ أزمان أنا، حفظت ملامحهم جيداً،.. وكلما خلوتُ إلى نفسي أبحث في مراياي عن شبه يجمعني بهم،.. مؤخراً أكتشفت أنهم قوم لا يستعملون المرايا،.. وكان علي أن أواصل البحث عن صلةٍ تجمعني بهم،.. تجعلني أنتمي إلى جمهوريتهم الفاضلة،.. متأخرا اكتشفت إنني منهم،.. حين فجأةً اكتشفتُ أن المرايا التي يستخدمونها هي الورق، وما أكثر الورق والحبر لدي.
* * *
الخمسون، منتصف العمر،.. أم خواتمه والنهايات؟!
خمسون شمعةً في حلوى الميلاد،.. يا لها من مرارة فادحة.
كانت عربة العمر تهبط مسرعة في منحدرٍ عميق.      
كان شباك الذاكرة الزجاجي، يرتطم عنيفاً بحجرِ الواقع الكبير.
رجل في الخمسين،.. ربما قبل خمسين سنة، كان يعني رجلا على شرفة الذبول، يجلسُ مكسورا على حافة فنجان الأمل.
رجل في الخمسين،.. يعني اليوم،.. رجل ناضج كتفاحة حبلى بالمواعيد، تهبط للمرة الأولى على أرض العجائب وهي ترفل بالأحلام الصغيرة والكبيرة معاً.
ما الذي تغيّر إذاً، طالما السنوات هي ذاتها،..
والرجال لم يتغيرّون منذ أول السقوط إلى الأرض.
ما الذي تغيّر ،.. طالما العمر محدود،.. وآخر المطاف مقبرة؟! ربما تغير حجم طائر الأمل في القفص الصدري،.. تغيّر مجرى النهر،.. فصارَ صعوداً يتجه ويعاكس المنحدرات.
الذي تغير فقط،.. أننا حين وحدنا نجلس أمام المرآة،.. ننزع عن وجوهنا أقنعة العصر الحديث،.. لنكتشف مرغمين أن الخمسينية المعاصرة، هي ذاتها الخمسينية الغابرة، مع فارقٍ الجرأة على الإعلان.
* * *

الذكورة والتأنيث

هل حقيقةً أنّ التأنيث هو الأجمل؟!
أم أنه منذور لذلك،.. يكتسب جماله بحكم أنه موصوف لتراه الذكورة كذلك،.. المرأة في البشر أجمل من الرجل،.. لكن من وضع مقاييس الجمال،.. وهل الجمال في الضعف،.. والأنوثة في الإنكسار  والتلون،.. أم أن الجمال في فحولة المعنى؟!
الوردة مؤنثة،..  والشجرة،.. لكن أليس عطر الوردة المذكر أجمل من ثوبها الأنثوي،.. أليس الثمر المذكر للشجرة أجمل من عباءتها الأنثوية الخضراء..
الرجل يرى المرأة جميلة،.. ألا ترى المرأة أن الرجل جميل كذلك؟!..
إذن الجمال اتصال واقع بين الذكورة والأنوثة، لا يكتمل إلاّ في حال قبول الآخر بالأول.
إذن،.. الجمال مذكر لغةً،.. وأنثوي معنى، وهذا دليلّ على التكامل المعنوي.
الجمال فطري،.. ومصنّع أيضاً،.. طبيعي ومخلوق،.. وغالباً ما يبدو الطبيعي أكثر جمالاً،.. الشفافية هي الجمال الأبقى.
هل يجعل الثوب الأبيض العروسَ جميلةً؟!
ذكورة الثوب تعطي أنوثة العروس جمالها أحياناً،..
وأحياناً أخرى ينعكس الأمر فيكتملان.
* * *
كل شيء نسبي،.. لعلّ أنشتاين أدرك باكراً هذا الأمر، لهذا الخيال أكثر جمالاً من الواقع..
لهذا الحلم أكثر جمالاً من القيامة كل يوم إلى نهار جديد.

مواطنان على الطريق


الهاجس الأساسي لكل مواطن لبناني أن يصحو صباحا ويجد في بيته ربطة خبز وحليبا للأولاد وأن يأتي وقت الظهيرة وتستطيع أم العيال تأمين الوجبة المناسبة لأفواه مفتوحة دائما على الاحتمالات .

والهاجس الأكبر الذي يوقع المواطن اللبناني في حالة من الرعب اليومي هو أن لا يمرض أحد أفراد العائلة فجأة فيستدعي ذلك زيارة طبيب أو مستشفى في ظل تحول العلاج في لبنان إلى ما يشبه المجزرة اليومية ، وفي ظل شبه إفلاس دائم للضمان الاجتماعي ، وغياب المستشفيات الحكومية وارتفاع تسعيرة المخابر والتصوير الشعاعي والأدوية بشكل ملفت ومخيف .

مواطن لبناني دائما يقف على حد شفرة الحياة والموت ، هلع متواصل ، البلد كله تحت طائلة الديون المكثفة ، والعلاج لمشكلتها عقيم ، وتسعيرة التهاتف الخلوي في لبنان هي الأغلى في العالم ، مع أن هناك وعودا تخفيضها ، وتسعيرة التعليم الخاص هي الأعلى في العالم ، وكذلك القسط الجامعي والإيجارات للبيوت ، ناهيك عن ارتفاع أسعار الطعام والشراب ، وفاتورة الماء والكهرباء التي تأتي على فاتورتين : شركة وموتور .

مواطن تحت خط الفقر ، وهناك مواطن لبناني آخر فوق بساط الريح .
فوارق في كل شيء ، مواطن يجوع وآخر متخوم ويعيش في أبراج عالية .
والحال السياسي يشبه الحال الاجتماعي ، كلاهما مليء بالتناقض والتجاوز ، ولا يمكن الوصول إلى حالة تزاوج إلا بحريق كبير ، أو بثورة تقلب النظام والدستور ، لتستعيد صياغة البلد بكل مفاهيمه وقيمه من جديد .

البارحة التقى مواطنان على باب أحد التعاونيات الضخمة ..
دخلا معا ، جالا معا ، الأول خرج بربطة خبز ، والثاني خرج بعشرات الأكياس المدججة بالملذات .

الأول تابع طريقه على قدميه ، والثاني ركب سيارته الفاخرة جدا وهو يضع نظارة شمسية سوداء .

البارحة التقى مواطنان ينتميان للجمهورية ذاتها .
الأول جثة تنتظر موسم الدفن الجماعي ، والثاني كائن حي يظن أنه لا يموت
 أبدا .

كنز القناعة الثمين؟!


قبل أعوامٍ، كان واحدنا يتقاضى أجر عمله بضع ليرات وكانت تكفيه لحياة كاملة.
يدفع أجرة البيت،.. مصروف المدرسة، نفقات الطعام، ثمن الملابس الجديدة،.. وقد يسهر خارج المنزل أربع مرات في الشهر، ولا يشعر رغم كل ذلك بضيق مادي فيلجأ إلى الإستدانة من البقال واللحام والسوبر ماركت، كنا سعداء جداً، حساب السوق ينطبق تماماً على حساب الصندوق، والناس تعيش بساطتها بكل شفافية وارتياح.
فما الذي تغيّر اليوم؟!..  تضاعفت الأجور عشرات المرات،.. وهي في ذلك تتوازن مع ارتفاع أسعار ما كنا نشتريه في الأمس، ورغم ذلك فقدنا بوصلة التوازي ما بين ما نجنيه وما ننفقه، اصطدمنا بجدار الحاجة والضيق والإستدانة، ولا أظن السبب مادياً على الإطلاق، ما تغير هو نفوسنا نحن،.. قناعتنا لم تعدْ كما كانت، صارت قناعاتنا مقتبسة من خارج، لم تعدْ من الداخل أبداً، لهذا لم يعدْ يتشابه المرء ما يقتنع به، لم يعدْ هناك توازن حقيقي بين الإكتفاء والتشّهي!..
أذكر بيتنا القديم،.. كنا نستخدم مقاعد غرفة الصالون لعشرين سنة أو أكثر،.. والستائر كذلك وسائر العفش،.. اليوم يستبدل واحدنا عفش بيته مرة كل ثلاث سنوات أو أقل، يستبدل سيارته مرة في السنة،.. وهاتفه الخلويّ كل بضعة شهور،.. اليوم صارت النساء محتاجات إلى أزياء موسمية، إلى مساحيق مختلفة،.. إلى خادمات من كل أقطار الأرض، ليس لأنهن كسولات وعاجزات عن القيام بواجباتهن المنزلية، بل لأن الموضة المعاصرة صارت تحدد مقاييس المرأة العصرية،.. أزياء آخر موديل،.. وسيارة وخليوي وخادمة، وبعضهن يستخدمن السائق الخاص،.. والبادي غارد، ولا يقتنين ملابسهن إلاّ من بلاد المصدر، ولا يتسوقن إلاّ من الشانزليزيه،.. ولا يصطفن إلا في لوس أنجلوس أو لندن أو جزر الكاريب!..
كان أجمل اصطياف للأسرة اللبنانية أن تخرج للبحر أو إلى الجبل، اليوم تستدين الأسرة، وتوفّر، وربما تجوع لتصطاف خارج البلد، لأن الجيران فعلوا ذلك!..
لم يتغير شيء من خارج النفس،.. النفس هي التي تغيّرت هي التي لم تعدْ تكتفي بالقناعة، فأوصلت أصحابها إلى ضياع مستبد.
عقلية الإستهلاك التي صارت تتحكم بالغالبية من الناس،.. هي التي ترفع عالياً عالياً لافتة العجز الاقتصادي، ولو أننا وظفنا المنطق لإدارة شؤوننا المالية في كل أسرة.
لاكتشفنا أن كثيراً من الكماليات هي التي تستنزف اقتصاد البيت!..
من يقبل اليوم بغداء قوامه وعاء من المجدرة،.. أو بإفطار عماده منقوشة الزعتر والكشك، الطفل لا يذهب إلى مدرسته إلاّ بقطعتي (كرواسان) وزجاجة عصير، ولا يوصله الأهل إليها ولو كانت على مبعدة أمتار إلاّ بالأوتوكار الخاص،.. والشاب لا يقبل سوى الجامعة الخاصة رغم أقساطها المخيفة،.. والشابة لا ترضى سوى الجينز من أهم الماركات.
إنها مسألة قناعة،.. تبدأ في البيت الصغير،.. لتصل إلى البيت الأكبر الدولة، عندها ربما يحس واحدنا بالرخاء،.. حين يمتلك كنز القناعة الثمين.
      

كأننا الحبر والدم


تمشي بنا الأرض:
أيستسلم فينا القلب؟

نشبه الشجرة، نتصدع كلما قاماتنا حاولت الصعود إلى أعلى.
نتأرجح أمام الريح، وننكسر... ننكسر أمام الجفاف!
من أين لنا، كل هذه المقدرة على التحول مثلها، بذرة نبدأ، وبرعماً نكون ثم تمشي بنا الأرض وجذورنا عميقة الغوص في سكونية الفناء!
كم يقتلني أن روحي أشد صلابة من هذا الجسد الهش. كم يضعفني أنني أمام العاصفة أتعرى من وريقات الاحتمال. أسلم ثماري لخريف العمر، لأوجاعه المتتاليات!
كم يجرحني إنني أرتدي على قلب الطفل الذي بي، جسداً يهرم ودماً يتخثر وملامح تشحب وشعراً يشيب!

نشبه كلنا الشجر
كلنا هكذا نشبه شجرة ما. الهواء مرايانا، الشجرات ظلالنا المعكوسة على صفحة الأثير. من يرمي حجر الضحكات في هذا السديم المستبد؟!
من يرتق عباءة الروح أمام مقصات الزمن تعمل فيها تمزيقاً لحظة بعد أخرى. لتترك طفولة القلب في مهب الذبول!
من يجرؤ على كسر المرايا دون تصديقها، ومن يقدر على إبتداع مرايا تري الناظرين إليها ما وراء القشور التي تتجعد وتغزوها الغضون!
أهو الزمن الذي يعاكس ضحكة القلب، أم أن القلب يستسلم في معظم معاركه الخاسرات؟ أهو الألم يعتادنا فنعتاد عليه، أم إننا نتحول إلى رماد كامل تتأجج تحت كثافته ضئيلة جمرة الشباب؟!

إخضرار الناي
نشبه الشجرة.. العصاة منا إلى موقدة الجحيم، والخيّرون إلى إخضرار الناي والوتر والكرامات! وكلانا، العصاة والخيّرون نموت لا كما الشجرة، هي تبقى واقفة ، تمد ذراعيها لتمسك ضفائر الريح، ونحن يشدنا الجذر إلى مثواه إلى كهولة التراب العتيق!

كأننا محبرة
أتامل طفلة تحبو، فأعود إلى مقام البرعم. لوهلة أشعر بغبطتها، ثم أحسها تركض بسرعة إلى اتجاه المنحدرات. كلما تقدم بنا العمر لحظة، استبد بنا الألم، كأننا محبرة يفرغها قلم الفناء وهو يكتب كل يوم على سطوح الوقت أعمارنا، أعمارنا التي يقل فيها منسوب النسغ ويصفّر اليخضور!
في الشارع ألمح على الأرصفة أشجاراً واقفة، وأشجاراً تمشي على قدمين، وأعرف إنني في مكان ما من داخلي احتوي على بذرة حية سأتركها بعد انكساري المحتم، كي أعلن بواسطتها قيامتي من جديد.  

مواقف


حكي جرائد


لا أثق كثيرا بكل ما تنشره الجرائد اللبنانية والعربية .
هكذا أخبر المواطن اللبناني س زوجته .
استغربت تصريحه فقالت : ولماذا تنفق كل يوم مبلغا كبيرا من المال لكي تشتري كل ما يصدر من جرائد الصباح .
ضحك المواطن س وهو يقول لها : لكي أعرف أن الحقيقة دائما في مكان آخر .


مجرد ثرثرة مصورة

المواطن ن اللبناني منذ ولادة جده ، قال لابنه الصغير الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره :
يا ولدي لا تتابع كثيرا نشرات الأخبار ومقابلات أهل الفن على التلفزيونات العربية كلها .
استغرب الطفل نصيحة أبيه ، وهو يراه يجلس كل يوم 20 ساعة أمام
الشاشة .

فتأمله الوالد وهو يصرخ فيه : أعرف بماذا تفكر ، أنا أجلس أمام الشاشة لكي أتمتع بالثرثرة ، ولكي أصم اذني عن ثرثرتها .
في هذه اللحظة اقتربت الأم وهي كعادتها تصرخ :
صار وقت المسلسل بيكفي حكي .









عدالة

حين ضربه الجار الثري على خده الأيمن ، أدار له الأيسر ، فضربه ثانية وثالثة .

مشكلته أنه مؤمن جدا ، لكنه بعد ذاك اليوم البعيد ، صار كل من يضربه على أحد خديه ، يلكمه بقبضته ويهشم كل ملامح وجهه .
الإيمان جميل حين يتقيد به الجميع .
وهو تعب من كثرة اللطمات .

هموم ثقافية..


لا أدري لماذا يصرّ بعض المشتغلين في الشأن الثقافي على ارتداء وجوهٍ لا تشابه وجوههم،.. وملامح ليست لهم،.. بحجة أن المبدع شخصٌ مختلفٌ عن البشر العاديين؟!..
فتراهم حين يؤمّون مقاهي الأرصفة،.. وهي طبعاً الأماكن الوحيدة التي يجتمعون فيها، يدخلون في عرض كرنفالي متناقض القسمات. بعضهم يتأبط حقيبته التي أكل الدهر عليها وشرب،.. ويطلق لحيته بطريقة عشوائية،.. وآخرون يتأبطون ملهماتهم ومعجباتهم،..
وآخرون يحملون معهم وفي كل يوم كدسة الجرائد والكتب ذاتها التي يحملونها كل يوم،.. وكأ، لكل مبدعٍ منهم عدة شغله الخاصة،.. وهي تختلف عن عدة غيره بالطبع.
وحين يستريحون إلى مقاعدهم الخاصة،.. يفردون على الطاولات بضاعتهم،.. ويتحدثون عن كل شيء،.. عن حال الطقس،.. وعن الغلاء،.. والفياغرا،.. وعن ماذا فعل فلان،.. وماذا قال علتان،.. وقلما تجد واحداً منهم يتحدث عن إبداعه أو إبداع سواه!..
والمضحك في أمر هؤلاء أنهم يعتبرون افتراءهم على بعضهم البعض نمنمةً بيضاء،.. فيقدحون زناد أفكارهم في إبتداع المزيد منها، والأكثر إبداعاً بينهم من يحمل في جعبته كمية أكبر  الترهات والأقاويل.
والمضحك أكثر،.. أنهم تعاقدوا على أن يحضروا سويةً في وقتٍ واحدٍ،.. وينهضوا في وقت واحد كذلك،.. كي لا يستغيب الباقون المغادرين! والطريف من أمر مقاهي الرصيف في بيروت أنها مقسمة إبداعياً،..
فالأصيلون، أي الذين يكتبون الشعر الموزون والنقد الأكاديمي يجلسون في الكافي دي باريس،.. والحداثيون يجلسون في (المودكا)، والخارجون عن كلا الطرفين يجلسون في (الويمبي) بعد أن عاد بحلته الجديدة، ربما يعتبرون أنفسهم رعاة ما بعد الحداثة!..
مقهى السيتي كافيه الذي يقبع بعيداً عن شارع الحمراء،.. يؤمّه المثقفون المخضرمون والعجائز،.. وغالباً ما يتسلل إليه بعض المحدثين لإحداث نوع من الاختراق المعاصر.
أجزم أن الإبداع دائماً يكون في موضع آخر،.. عند مثقفين لا يلبسون على ذقونهم لحية كارل ماركس،.. أو على رؤوسهم قبعة انشتاين،.. إنه موجود عند بشرٍ أسوياء،.. يدركون أن عدة الإبداع الحقيقي لا تعرض في "فاترينا" المقهى،.. وأن النميمة بكل ألوانها،.. لا توصل إلى نصٍ أبيض كشمس الصباح!..
2006


البلاد فارغة.. لا أحد هنا!


طالما إرهابيون نحن، فلماذا لا نخلع عن وجوهنا ملامح الحَمَل الضحية, ونتدرب على أن نكون ذئاباً ولو لمرة واحدة، وأخيرة كي ننجو من هذا المصير!.
لن تقنعهم مسوح القداسة، ولا طيبتنا التي تبلغ حد الهبل والسذاجة، ولن يردعهم عن سحقنا كل هذا التماهي في عشق السلام والتسامح والانصياع!
الذين يقتلون في فلسطين هم نحن.
جثثنا هي المرمية هناك لا تجد من يهيل عليها حفنة تراب.
إنهم يحاصرون آخر ما تبقى من كرامة العرب ونخوتهم ويطلقون عليها النار، وصراخ الجماهير في التظاهرات الفقيرة مجرد استغاثة لن يستجيب لها أحد.
فلا أحد هنا.. كل هذه البلاد فارغة من الرجالات.. كل هذه العواصم خالية من الجيوش،. العالم العربي كله شيطان أخرس،.. الشعوب مجرد حنجرة ولافتات.. والحكومات تختبىء تحت عروشها محاصرة بالعار،.. كم من القرون سنحتاج كي نخفف عنا وطأة هذا العار؟!

يا خجل التاريخ، كيف سنكتب على صفحاته لأجيالنا القادمة سيرة البطولات!..
شهداء فلسطين منا براء، نحن لا نستحق الانتماء إلى نسل الواقفين بصدورهم العارية أمام الموت!..
من أين نأتي بكل هذه الجرأة لنحدّق في مرايانا. ما أبشعنا ونحن مجرد متفرجين!..
ما أكثر تفاهتنا حين نعلق آمالنا على مشاجب المأجورين!..
لا تنتظروا موقفاً من قطيع تحرّكه عصا أميركا كيفما تشاء فالقوات المسلحة العربية لا تحرس حدود الكرامة،.. أنها تحرس عروش السلاطين لا أكثر ولا أقل!.. والبنادق العربية ضيّعت الطريق إلى القدس منذ وقف حاملوها أمام بيوتكم لمحاصرة أحلامكم بالحرية!..
وطالما نحن إرهابيون في نظر أميركا.. طالما الضحية هو الجلاد،.. والجرح النازف هو القذيفة،.. فإما تتحولون إلى قذائف تفجّر في طريقها كل شيء،.. أو تعودون إلى أسرتكم كي تحملوا بأنهار العسل والنبيذ!..

الشعوب التي لم تحرر نفسها من الخوف،.. لن تساعد فلسطين على الوصول إلى حريتها،.. فانزلوا عن أكتاف أهل فلسطين،.. دعوهم يموتون بهدوء،.. صراخكم يقض مضاجع الشهداء، ولا يقدم لهم إلا الخيبة تلوَ الخيبة والعار تلو العار.
إنقاذ فلسطين لا يكون على أبواب السفارات والأمم المتحدة ومكاتب الأسكوا..
إنقاذها الحقيقي أن تحملوا أكفانكم وتخترقوا الحصار والصمت.
إذا كنتم رجالاً حقاً لن توقف إرادتكم أسلاك شائكة وحدود!..
   
      2007

الشاعر


وعلى الشاعرِ أن ينسى
لكي يكتب شعره
انه المقتولُ
يحفرُ من خلالِ الشعر قبره
وعلى الشاعر أن يدنو من البلور
أن تجتازَ قامتُه العراء
ويودعُ الأفلاكَ سرّه

&&&

صرختي هذي امتدادُ الصوتِ
لا صوتي يعودُ ولا صداكم
يشعلُ الشباكَ
من ورد الجوابْ .
صرختي وقتُ انكسارِ الشوقِ
في ماءِ الغيابْ
ترقصُ الكثبانُ في وجعي..
وصحرائي انتهاءُ الصوتِ
في فصل السرابْ
صرختي أطولُ من هاء التأوّهِ
بين بين الفقدِ
في عينِ العتابْ.
صرختي
أدعو ولكن لا جوابْ  ؟. 

نحب الحيــــاة


نحب الحيــاة

لهذا نقوم إلى الموت فجراً .
ونرجمُ بالشمس ليل الطغاة ..
نحب الحياة .
لهذا صباحاً .. تضج الحقول
بضحكات أبنائنا  العاليات
لهذا مساء تضاء البيوتُ
بورد العناق
وعطر الصلاة
&&&
نحب الحياة...
ونكتب بالحب أسماءنا
بكل اللغات...
ونرفع أجراسنا والآذان
لربٍ هو الحب في الكائنات .
&&&
وهذي البلادُ التي لا تنامْ...
تؤسسُ للنور ..تمحو الظلامْ..
فنحن صنعنا الحضارات عشقاً
ونحن خبزنا طحين الحروف...
لكل الشعوب رغيف الكلامْ..
وفوق ثرانا  مشى الأنبياء ..
وخطّوا على الشمس معنى السلامْ...
&&&
نحبُّ الحياةْ..
ونحضنُ بالدفء كل الأنامْ...
وكل حسام لدينا يراعٌ
وكلّ يراعٍ يصيرُ الحســمْ
أمام المحبة نحن خرافٌ..
اسود إذا ما البلاد  تضام .
نحب الحياة..
إذا فلنغنِ
لعزِّ البلاد
ومجد السلامْ.
&&&

نحب الحياة...
إذاً فلنغن..
ففي الحب يكمنُ طوق النجاة..